ما معني "اعقلها وتوكل"؟

نتداول في حديثنا فيما بيننا بعض الجمل. ربما لا يدري بعضنا معناها ولا يعرف مصدرها. والمقال التالي يلقي الضوء على معنى ومصدر جملة نرددها كثيرا وهي جملة "اعقلها وتوكل".

عندما يهم أحدنا باتخاذ قرار أو الدخول في مشروع جديد، يبادر مستشاريه من الاهل والأصدقاء والمعارف بمقولة "اعقلها وتوكل". دلالة على تشجيعهم له ببذل الجهد وتنفيذ الامر الذي عزم عليه بعد الاستعانة وتفويض الامر لله تعالي في توقيت جنى ثمرة هذا البذل.

ويرجع أصل جملة "اعقلها وتوكل" الي حديث رسولنا الكريم محمد بن عبد الله عليه وعلى جميع رسل الله أفضل الصلوات والتسليمات. 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنَّ رجلًا أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ أُرْسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ أم أعقِلُهَا وأتوكَّلُ قال بل اعْقِلْها وتوكل". وفي رواية أخرى عن عمرو بن أمية رضي الله عنه: "قال رجُلٌ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ؟ قال: اعقِلْها وتوكَّلْ". روى الإمام الترمذي.

 

تفسير الحديث الشريف:

جاء رجل الي رسولنا الحبيب صلي الله عليه وسلم وكانت مع الرجل ناقة. فسال مستشيرا الرسول صلي الله عليه وسلم: هل اترك ناقتي بدون ربطها؟ ام اعقلها أي اربطها (لمنعها من الحركة والضياع) واتوكل علي الله أيضا؟ فرد عليه الرسول صلي الله عليه وسلم ردا بليغا (بل اعقلها وتوكل) اي اربط ناقتك ثم فوض أمرك لله.

 

 تعريف التوكل والتواكل:

وهذا يقودنا الي ضرورة توضيح الفرق بين التوكل والتواكل.  

التوكل

التوكل لغة" يعني: تفويض، ثقة، اعتماد. ويقال: وكّل فلانًا أي: فوّضه ليقوم بأمرٍ ما نيابةً عنه. ولا يكون التوكيل -غالبًا- إلا بسبب العجز.

والتوكل في الشرع: اعتماد القلب على الله سبحانه وتعالى في جميع الأمور من طلب نفع او دفع ضر، وتفويض الأمر لله، والاستعانة به سبحانه في كل امر، وربط الأشياء بمشيئته. فالتوكل: صفة إيمانية، ويقين، وثقة.

 

شروط التوكل:

والتوكل مقرون بالسعي والحركة، وعند مبادئ الأمور، وفي سائر الأحوال. ولا يتحقق معنى التوكل بغير عمل، فمن أراد الرزق أو النجاح بذل الجهد متوكلًا على الله، وشملت جملة  "اعقلها وتوكل" على العمل المتمثل في ربط الناقة. وكما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصا وتروح بطانا. (حديث صحيح). فتم ربط توكل الطير علي الله بانها غدت أي سعت مبكرة قبل طلوع الشمس بحثا عن رزقها في أرض الله ولم تمكث بأعشاشها بدعوي التوكل علي الله.

لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصا وتروح بطانا

من صور "اعقلها وتوكل" في حياة الرسول:

في كل امره -صلوات الله وتسليماته عليه -كانت "اعقلها وتوكل" علي الله ولكن سنذكر امثلة بسيطة:

• يظهر التوكل الحق في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم في السعي الدؤوب بتبليغ امر الله في بيوت مكة او الذهاب للطائف او عرض امره على القادمين لمكة.
• وظهر التوكل في هجرته المباركة من مكة الي المدينة وكيف خطط ونفذ ذلك متوكلا علي ربه.
• كما ظهر التوكل في سلمه وغزواته، بدر وأحد والخندق وغيرها وتحالفاته فكان صلي الله عليه وسلم يستشير ويسعي  مع البشر متوكلا على خالق البشر.

 لذا فان ترك العمل يسمي تواكلا وهو مذموم.

 

التواكل:

هو ترك العمل وترك الاخذ بأسباب النجاح لتحقيق الهدف (بالطبع هدف شرعي بطريقة شرعية) مدعيا انه متوكل علي الله.

وكان أحد الأمثلة الواضحة على التواكل والنهي عنه وقت الرسول صلي الله عليه وسلم. ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما فقال: " كان أهل اليمن يحجّون ولا يتزوّدون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197) رواه البخاري. لا يتزودون أي لا يحضرون معهم مؤنة ومصاريف ومستلزمات السفر من طعام وماء ونقود.

فعن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناسًا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فقال: "بل أنتم المتَّكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض، ويتوكل على الله". (الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم").

  

الدروس المستفادة من الحديث الشريف:

• الامر بالأخذ بالأسباب في أمور الدنيا والدين. "اعقلها وتوكل" جمعت العمل بالإيمان بالله.
• "اعقلها وتوكل" جعلت الاخذ بالأسباب المادية لا يعني انه مناقض لإيماننا بالله والتوكل عليه. بل اننا مأمورون بان نأخذ بالسبب أولا كما في الحديث الشريف.
• عدم الأخذ بالسبب يحول التوكل علي الله الي التواكل وهو يعني الكسل والإهمال وعدم المبالاة وهو صفة ذميمة.
• نتعلم من "اعقلها وتوكل" عدم اختبار الله في أمور اعتيادية، كما في الحديث لو ان الرجل ترك الناقة بدون ربطها زاعما انه بذلك متوكل علي الله وان الله سيحفظها ثم ضاعت الناقة، لشك الرجل في دينه وعقيدته.
• الرجل سال الرسول صلي الله عليه وسلم عن ربط ناقته وهو امر ربما يعتقده البعض شيئا تافها وبسيطا، ولا يستحق سؤال النبي عنه، ولكن الرجل علمنا ان نسأل ونستشير في كل امورنا، وكان سؤاله درسا هاما للأمة في امر دينها ودنياها وعقيدتها. كما لا تستسهل الامر البسيط. فقد تسببت ناقة في الجاهلية في حرب استمرت أربعون عاما (حرب البسوس).

 

ملخص الامر

عندما تهم بأمر فاستشر وخذ بالأسباب قدر طاقتك متوكلا علي الله. "اعقلها وتوكل". فابذر البذرة وراعها وثق ان الله سيبارك لك فيها. واياك ان تترك الاخذ بالأسباب بدعوي التوكل علي الله، فذاك تواكل وهو مفسدة لدينك ودنياك.

تعديل المقال