كتبت
Marnie Omar
الاختيار
1970: نقد الذات ومسؤولية المثقف عن الهزيمة.
شارك نجيب محفوظ المخرج يوسف شاهين في كتابة قصة فيلم “الاختيار” الذي يوجه النقد إلى الذات، فيتحدث شاهين عن بطله سيد مراد المثقف الانتهازي الذي فضل النجاح الاجتماعي على الحرية، ويقول: “أرفض في سيد رفضه لمواجهة نفسه بالحقيقة، قبوله لبعض التغيرات في المجتمع دون أن يحاربها”.
نرى شاهين يريد أن يطرح أسئلة حول دور المثقف
وتركيبته الطبقية، ويظهر المثقف مداناً وذلك ليس لأن المثقف سبب الهزيمة بل لأنه
سكت عن أسبابها". فنجد شاهين يقول عن فيلمه الاختيار: "لقد صورت في هذا
الفيلم تمزق المثقف المعاصر"، وقد وجه شاهين الإدانة إلى المثقفين عن طريق
شخصيات تخون أو تنفصم أو تتردد.
دور
الطبقية الاجتماعية في تشكيل الإنسان (شخصيتي التوأمين محمود وسيد)
إذا
كان محور الصراع في “الأرض” هو الصراع الطبقي في أكثر أشكاله كلاسيكية، فإن فيلم
الاختيار يعد تجليًا آخر للفساد الاجتماعي الذي تتسبب به الطبقية، لكن هذه المرة
من ناحية نفسية؛ يتأمل شاهين دور الطبقية الاجتماعية في تشكيل الإنسان وخياراته في
الحياة، من خلال شخصيتي التوأمين محمود وسيد، محمود الذي عمل كقبطان في البحر
ويهوى الرسم حدد انتماءه للطبقة العاملة ملامح شخصيته الحرة والمنطلقة، فهو “جدع”
يضحي بالمرأة التي يحب لأجل الوازع الأخلاقي، يعيش في الهامش بلا أملاك أو أحقاد،
لكنه في القلب من الكثير من المهمشين.
على
عكس محمود، سيد المؤلف والروائي المشهور الذي ولد في ذات البيئة اختار طريقا
مختلفا، تحت ضغط غواية الترقي الطبقي السريع، يجعل سيد من الزواج سلمًا لأحلامه،
فيرتبط بشريفة من أجل علاقات والدها، ثم يرتبط بالسلطة من أجل الحصول على مزايا
اجتماعية أكبر، فيما عاش محمود حرا ومتسقا مع ذاته عانى سيد من نتائج اختياراته،
معاناة بدأت من انفصامه الشخصي، الانفصام الذي بدأ مع تمرده على واقعه للالتحاق
بالطبقة البرجوازية، فخسر كل شيء حتى ذاته.
شخصية
«بهية» استخدمها شاهين كإسقاط على الوطن:
ظهر
في الفيلم شخصية «بهية» التي استخدمها شاهين كثيرًا كإسقاط على الوطن، بهية التي
يلجأ لها الجميع، ينسون همومهم ولا يخجلون من خطاياهم. أدت «هدى سلطان» دور بهية
في هذا الفيلم وقدمها شاهين ومحفوظ كصاحبة منزل يجتمع فيه فنانو القاهرة وحالموها،
منزل يسيطر عليه جو من الكوميديا السوداء وتنتشر فيه زجاجات البيرة، منزل يصلح
للهرب من هزيمة تركت الجميع سكارى.
يؤكد
شاهين على الهوية الطبقية تلك وأثرها من خلال رؤية المحقق فرج للأخوين محمود وسيد،
فهو يعتقد أن محمود القاتل، فقط لأنه فقير، فدافع القتل بالنسبة له كان “الحقد الطبقي”
بحثا عن الحياة السعيدة وهو يعتقد أن تلك السعادة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال
السلطة والترقي الطبقي ــ وهو ما يحوزه سيد، لكن الضابط رءوف يرفض ذلك الحكم
المرتبط بالتصنيف الطبقي “إنما محمود من الحضيض للحضيض، خلاص حكمت!” وكما نرى نحن
من خلال الفيلم، عاش محمود حياته أكثر انطلاقا وسعادة لأنه نجح في التخلص من قيود
السلطة والمال بالتحديد، هذا ما لم يفهمه فرج إلا متأخرا جدا.
يوجه
الفيلم سهامه ناحية المثقفين، يحملهم جزءا من مسئولية الهزيمة، يعنفهم لأنهم
حاولوا أن يميتوا في أنفسهم “محمود” رمز الحرية في الفيلم بالارتماء في أحضان
السلطة. ويشير الفيلم على استحياء إلى حالة انفصال الأجيال التي نشأت بعد النكسة،
ويقول شاهين في حواره مع الناقد السينمائي سامي السلاموني عن أزمة الأجيال: “كنت
أريد من وراء شخصيتي فرج ورؤوف أن أؤكد على أن الأجيال المختلفة متكاملة، وأن أشير
إلى الأمل في أن يفهم فرج -وهو رمز السلطة-أكثر، فيطور من ذاته”.
لمتابعة صفحة الكاتبة على الفيسبوك: Marnie Omar

شارك برايك :