حج بيت الله هو الركن الخامس من اركان الإسلام لمن استطاع اليه سبيلا. والحج لغة يعني القصد. وشرعا هو القصد أو التوجه الي البيت الحرام في مكة المكرمة في زمن محدد بهيئة معينة ليتم أداء مناسك محددة الوقت والمكان بقصد أداء الركن الخامس من اركان الإسلام.
وموضوعنا لا يتطرق الي الشق الشرعي او الفقهي، ولكن
يتطرق الي بعض الخواطر والمعاني، أقرب الي تسجيل الانطباعات والتجربة الشخصية في أداء
مناسك الحج والعبرة منها، بدون اغفال او تعارض مع الجانب الفقهي حيث هي الأساس
للحج الصحيح المقبول بإذن الله.
غطاء الرأس للرجال:
المعروف ان غطاء الراس من محذورات الاحرام
للرجال. وربما يأخذنا ذلك للتساؤل عن مغزى حظره على الحجاج الرجال، وهل سيختلف الأمر لو سمح به.
المعروف ان أحد اهداف توحيد زي الحج هو المساواة وإدراك
الشخص انه لا يتميز عن غيره وسط هذه الجموع الا بمدي ايمانه بالله ومدي صلاح
نواياه، وانه مهما كان مركزه او سلطانه او قوته او غناه يظل وسط الجموع فردا مثل
غيره؛ جاء الي الله وهو حاسر راسه يسأله من فضله، لذا تم حظر غطاء الراس الذي سيظهر
هذا التمييز، كما ان وجود غطاء الراس لا يقطع الحاج عن دنياه وعن صفته ووظيفته و منصبه.
ان غطاء الراس يمكن ان يكون لسانا عن صاحبه، فمن
غطاء الراس تعرف جنسية الشخص ان كان من اهل الخليج بالغترة والعقال حتى ان عقال
اهل الامارات يتميز عن عقال اهل نجد والحجاز، على عكس اليمن وسلطنة عمان التي
تتمسك بالمصر او الكمة في حين يتميز السودانيون بالعمامة البيضاء الكبيرة ودول
افريقيا بغطاء او طاقية أقرب الي "كمة" اهل عمان. كما ان الامريكان والغربيين
يميلون الي غطاء مميز لهم.
ومن غطاء الراس يمكن معرفة وظيفة الشخص مثل الكاب
المميز لضباط وعساكر الجيش والشرطة، في حين يسهل معرفة مهنة المهندس او رجل
الإطفاء او الصياد او غيرها من المهن.
وغطاء الراس يحدد مكانة الشخص الاجتماعية مثل
تيجان الملوك والأمراء والسلاطين، بل ان بعض الرؤساء الذين لا يضعون غطاء للراس
تجد انه يتم تمييزهم وسط الجموع بحمل مظلة تقي رؤوسهم الشمس او المطر.
لذا فوجود غطاء الراس المعتاد للشخص كان سيشوه
صورة وشكل وتنظيم الحج، كما سيفقد العبرة من الحج.
جمع الجمرات:
يقصد بالجمرات هي حصوات يجمعها الحاج من مزدلفة
او مني ليرميها في الاحواض المخصصة وبعدد محدد (ثلاث احواض العقبة الكبرى والوسطي والصغرى)
نمضي في حياتنا و ربما يعيش اكثرنا الي سن
الخمسين او الستين و هو لا يري في حصوة صغيرة أي أهمية، و لكن مع أداء مناسك الحج
ستري ان هذه الحصوات الصغيرات لها أهمية، فتري الجميع مهما علت مكانته يكون همه
العثور علي هذه الحصوات الصغيرات و الاحتفاظ بها جيدا، و هو شيء ملئ بالدروس فهو
يثبت ان لكل شيء قيمة مهما صغر أو استصغرته ، فللأسف الشديد بعض من طغا به ماله او
مكانته او سلطانه لا يجد لبعض البشر أهمية فيهمل الاستجابة لهم و ربما داس
عليهم وعلي احلامهم، فجاء جمع هذه الحصوات
و الحرص عليها درسا ينبهنا و يعلمنا مكانة كل شيء حتي و لو كانت حصاة صغيرة.
كما يجد الحاج ان هذه الحصوات الصغيرة جدا قد كونت
تلالا يتم سحبها بشاحنات عملاقة للتخلص منها بعد ان ملأت الاحواض الكبيرة. وهذا يدل على عدم الاستهانة بالعمل الدائم للفرد و العمل الجماعي للامة والذي يشكل من سبع حصيات صغيرات تلالا و جبالا، فالأمة قوية
بوحدتها وغنية بمواردها واعداد افرادها لو تم التوجيه السليم والتكتل الحسن والتكافل
المدروس لهذه الملايين.
تنظيم الحج:
ان أداء أكثر من مليون او مليوني حاج لفريضة الحج
في زمن واحد له معان عظيمة، فمليوني انسان أتوا من قارات العالم من عشرات الدول بخلفيات
اجتماعية وسياسية ربما تصل للتضاد، كما تفرقهم عشرات اللغات واللهجات وبعادات ومفاهيم
يصل بعضها للتوقف عجبا، كما يختلفون في الصحة والقوة والتحمل. اتوا في وقت واحد في
مكان واحد يجتمعون ثم تتحرك هذه الكتل البشرية بانتظام كل يعرف وجهته وما عليه فعله،
فيؤدون ما شرع الله لهم. تجد زحفهم يوم التروية ثم وقوفهم جميعا بعرفات ثم
انتقالهم الي مني للمبيت ثم رمي الجمار والطواف، إضافة الي أدائهم الصلاة وتناولهم
الطعام وقضاء حاجاتهم، كل ذلك يتم بحمد الله في سهولة.
ولا نقصد هنا الخدمات التي تقدمها الحكومة، ولكن
ما نقصده هو دور الحجاج في أداء كل هذه الشعائر مقارنة لو اجتمعت مثل هذه الاعداد
في فترة محددة وفي نفس مساحة المشاعر المقدسة.
بلا شك كانت ستحدث كوارث ومشاحنات لا حصر لها.
بالطبع التوحد النفسي والايماني وتوحد الغاية اوجد
هذا التنظيم واظهر هذه القدرة الكامنة في البشر من تحمل مشاق الحج ومن تحمل اخلاق واختلاف
الغير من لغة وعادة. وهذا سيكون له بالغ الأثر لو تم استثماره كقاعدة في توحد
الامة الإسلامية وتوحد الدول والشعوب وتحمل إخوانهم باختلاف عاداتهم وطبائعهم وأوضاعهم
المالية والفكرية.
ان الحج مدرسة خفية التعليم، فكل خطوة فيه درس
للفرد والأمة الإسلامية، كلها تدعو الي فضائل متعددة، كلها تجتمع في صالح الفرد والأمة
الإسلامية. فالحج له منافع دينية ودنيوية وله دروس تربوية في كافة مناحي الحياة من
دينية وسياسية واجتماعية ونفسية، يصل إدراك بعض الحجاج هذه الدروس خلال أداء الشعائر
فيعود خاليا من الذنوب والآثام انسانا جديدا كما ولدته امه.

شارك برايك :